منارالسجود
مشرفة قسم المراة والمنتديات الاسلامية
الاوسمة : عدد المساهمات : 737 نقاط : 1551 السٌّمعَة : 24 تاريخ التسجيل : 23/08/2010
| موضوع: محاضرات في تاريخ الجزائر المعاصر الجمعة 14 يناير 2011 - 11:45 | |
| المحاضرة الثانية : دوافع الاحتلال الفرنسي للجزائر. تمهيد/ لاشك أن الجزائر تتمتع بموقع استراتيجي (جغرافي ) هام يجعلها عرضة للتقلبات السياسية و الاقتصادية العالمية كما أنها تتأثر بالسيرورة التاريخية و التأثر فيهأيضا ، ومنها ظهور الحركة الاستعمارية الأوروبية الحديثة ،التي تكالبت وتنافست على المستعمرات في ما وراء البحار ،و ضمن هذا الإطار ظهرت أطماع فرنسا في الجزائر . ذلك أن الدوافع التي أدت بفرنسا إلى احتلال الجزائر كثيرة ومتنوعة ،وهي على العموم دوافع سياسية ،وأخرى إقتصادية مرتبطة و متداخلة ومتكاملة بعضها ببعض .وسنحاول في هذه الدراسة معالجة الأسباب السياسية و الأسباب الإقتصادية وحدها . لقد ظهرت الدولة الجزائرية الحديثة مع بداية القرن السادس عشر الميلادي بانتمائها إلى السلطنة العثمانية تحت قيادة "الباي لرباي " وبذلك بدأت معالم الحدود الإقليمية للدولة الجزائرية تظهر و تستقر تدريجيا ، وينمو معها الكيان السياسي للجزائر المنفصلة عن تونس و المغرب الأقصى .وبذلك ظهر نوع من الشعور الوطنيلدى المواطنين جعلهم يندفعون بكل ما يملكون من قوة و إمكانيات : لتدعيم هذه الدولة الفتية ، وحماية هذا الوطن العزيز من الغاصبين المسيحيين المتعصبين . وخلال القرن السابع عشر الميلادي بدأت الجزائر تنفصل تدريجيا عن الدولة العثمانية ، ففي سنة 1659م إغتصب ديوان الإنكشلريين آداة الولاية كلها ، وبعد سنتين ، أرسل الإنكشاريون بالجزائر ، وفدا لمقام القائد العام للأسطول ووزير البحرية ،و أجبروا الدولة العثمانية على قبول الأمر الواقع ، و أصبحت السلطة التنفيدية بأيدي الإنكشاريين . و بمرور الزمن وحسب التطورات التي حصلت في البلاد ، قرر ديوان الإنكشارية أن يتولى الحكم آغا عن طريق الانتخابات ، على أن يبقى في الحكم لمدة شهرين اثنين فقط ، و تعتبر هذه الفترة ، أي عهد الآغاوات الذي استمر إثني عشر سنة مليئة بالخلافات ، و ذلك أن الأغوات المنتخبين للحكم رفضوا التخلى عن مناصبهم ، و في سنة 1671 إنتهت هذه الوضعية بعد تسلط رؤساء الجيش الإنكشاري على مقاليد السلطة ، ونصبوا الدايات على رئاسة السلطة ، و بذلك برزت أكثر ‘رتباطات الجزائر باللباب العالي . وخلال هذه الفترة أصبحت الجزائر تحتل قوة مهابة في البحر المتوسط ، ، بل أصبحت الدول المارة بالبحر المتوسط تدفع إتاوة للجزائر مقابل حماية سفنها في المتوسط من الإعتداء ، و كل ذلك مكن من سيادة و قوة الدولة الجزائرية و ربطت علاقات عديدة مع دول أروبا فعلى سبيل المثال معاهدة 1561 مع هنري الرابع ثم تدعمت أكثر خلال قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 .و التي جاءت بمبادىء الحرية و المساواة و الإخاء وهذه الأفكار كانت محبذة لدى الكثير من الجزائريين ، هذا في حين هناك الكثير من البلدان الأروبية قد حاصرت هذه الأفكار و إعتبرتها معادية لها ، و لذلك لا غرابة أن نجد الجزائر تقدم المساعدات الكافية للفرنسيين خلال ثورتهم على شكل قروض و حبوب غذائية . لكن فرنسا لم تكن وفية لما قدمته لها الجزائر في محنتها ، وعشية إحتلالها للجزائر عززت من علاقاتها مع اليهودين بكري و بوشناق اللذين كانا مسيطرين على تجارة الحبوب و قد مولها التاجران بكميات هامة من الحبوب ، و لكنها رفضت دفع الديون مما أدى إلى تأزم الوضع بين الجزائر و فرنسا و إعتبر الداي حسين أن ذلك العمل لا يليق بالجزائر ، بل هو تعدي على الرعايا الجزائريين ، و او أن ذلك ما هو إلا مصيدة لفرنسا لتعكير العلاقات و إيجاد الأجواء المناسبة التدخل في قضايا الجزائر بعدما لمست فيها بوادر الضعف . و هناك جملة من العوامل الدافعة للإحتلال يمكن أن ندرجها في النقاط التالية : 1/ الأسباب السياسية : إن قضية المروحة التي جعلت منها فرنسا سببا رئيسيا في حماتها على الجزائر ما هي إلا خرافة تاريخية ، و أن الداي حسين لم يهن القنصل الفرنسي دوفال ، بل نجد أن الأسباب متعددة ، و تعود إلى قرون مضت في العلاقات الفرنسية الجزائرية كما رأينا آنفا ، وكانت هذه العلاقات قد عرفت مرحلة المد و الجزر بحكم قوة و ضعف كل دولة أي فرنسا و الجزائر ، و لعل المتتبع لمراحل إهتمام فرنسا بالشؤون الجزائرية يجد أن حكومة فرنسا قد رحصت لقنصلها دوفال بالمزيد من المناورة بغرض تمكين فكرة الإحتلال و قبولها لدى المعارضة وأنه لا يمكن إهانة العلم الفرنسي ، و تجلى ذلك بالوضوح في مذكرة فرنسا عشية الإحتلال و المؤرخة في 7 ديسمبر 1827 و التي من خلالها تم فرض الحصار البحري على الجزائر و ذلك قبل المروحة بشهور . كما أن سياسة شارل العاشر لم محبذة لمبادىء الثورة الفرنسية ، و كان الرجل رجعيا إلى حد كبير في سياسته و من أمثلة ذلك تعطيل المؤسسات الدستورية و تعطيل البرلمان و خنق حرية الصحافة ، و خنق الحريات و تهجير المعارضة و تكميم الأفواه و كل ذلك لم يكن مقبولا لدى الكثير من الفرنسيين الذين تشبعوا بمبادىء الثورة الفرنسية ، و جر إلى تذمر كبير في الأوساط الفرنسية ضد الملك الفرنسي . و تذكر العديد من الدراسات التاريخية أن الداي حسين بعث ببعض الرسائل إلى الحكومة الفرنسية يستفسر من خلالها على قضية الديون و نحوها لكن فرنسا لم ترد على رسائله و أهملت مسعاه ، و كل ذلك أغضب الداي حين سئل دوفال حين قدم له تهاني العيد ، و كان جواب القنصل الفرنسي في منتهى الوقاحة و قال للداي إن بلادي لا تتنازل للإجابة لرجل مثلكم و قال ذلك أمام ديوان الداي ، و لم يتمالك هذا الأخير و لوح عليه بالموحة التي كانت في يده . ووجدت فرنسا في الحادثة المادة الخصبة في ترويجها للحملة و كسب الرأي العام الفرنسي مها ىلقبول الفكرة و هي ضرب الجزائر و تأديبها على موقفها من دوفال ، و من جهة أخرى بدعوى القضاء على القرصنة و قوة الجزائر التي كثيرا ما أقلقتها ، كما إدعت أيضا أنها تريد تحرير المساجين المسيحيين الذين أسرتهم البحرية الجزائرية ، و كل ذلك أكسب فرنسا تعاطفا دوليا من أجل القيام بحملتها على الجزائر .بإستثناء بريطانيا التي ظلت هي الأخرى تبحث على مناطق النفوذ ب‘تبارها العدو اللذوذ لفرنسا .و بذلك كان هذف فرنسا إبعاد المعارضة و البحث لها عاى مناطق بعيدة عنها . 2/ إدعاء إنقاذ الجزائريين من سيطرة الإحتلال التركي : كانت فرنسا و حلفائها من المسيحيين يعتبرون ذوما أن الوجود العثماني في الجزائر هوبمثابة إحتلال و منافس لها في برنامج توسعها ، و من ذلك شنت هجوما إعلاميا عبر العصور التاريخية بغرض تشويه سمعة العثمانيين في الجزائر ، و أنهم أبعدوا السكان عن قضاياهم و هيمنوا عاى كل شيىء في الإدارة و السلطة و الإقتصاء و حتى في الدين ، و إستغلوا بعض النقائص التي لاحت من حين لاآخر في سياق الوجود العثماني في أرض الجزائر و بروز بعض الثورات كالثورة الدرقاوية في الغرب الجزائري و ثورة بن الأحرش في الشرق الجزائري ، و تناست فرنسا من جهة أخرى أن الوجود العثماني هو الدي طهر السواحل الجزائرية من التحرشات الإسبانية و حرر الكثير من الموانىء الجزائرية ، بلكان الوجود العثماني في الجزائر بطلب من الجزائريين أنفسهم ، و هو الذي مكنهم من القوة البحرية في المتوسط. لذلك لا غرابة أن نجد الإدارة الفرنسية توزع على الجزائريين عشية الإحتلال منشورا هاما تظمن نقاط أساسية و هي أن الوجود الفرنسي في الجزائر يهدف أساسا لمحاربة الأتراك و إعطاء الحرية التامة للجزائريين ، و كأن القضية بين الداي حسين و فرنسا فقط .و مما جاء في البيان قوله : " يا أعز أصدقائنا و محبينا سكان الجزائر و من ينتمي إليكم من شعب المغاربة ، أن الباشا حاكمكم من حيث أنه تجرأ على بهدلة فرنسا و أقدم على إهانتها فقد سبب بجهله هذا كل ما هو عتيد أن يحل بكم من الكوارث و المضرات ، فلا بد أن هذا الباشا حاكمكم من قلة بصيرته و عماوت قلبه قد جدب على نفسه الإنتقام المهول و قد دنا منه القدرالمقدر عليه و عن قريب يحل به ما إستحقه من العذاب المهين ، أما أنتم ياشعب المغاربة إعلموا و تأكدوا يقينا أني لست آتيا لأجل محاربتكم فعليكم أن لا تزالوا آمنين و مطمئنين في أماكنكم ، و كل ما لكم من الصنائع و الحرف براحة سر ، ثم إني أحقق لكم أنه ليس فينا من يريد يضركم لا في مالكم و لا في أعيالكم ، و مما أضمن لكم أن بلادكم و أراضيكم و بسلتينكم و حوانيتكم و كل ما هو لكم صغيرا كان أو كبيرا يبقى على ما هو عليه و لا يتعرض لشيىء من ذلك جميعه أحد من قومنا بل يكون في أيديكم دائما فآمنوا بصدق كلامي ، ثم إننا نضمن لكم أيضا و نعدكم وعدا مؤكدا غير متغير و لا متأول أن جوامعكم و مساجدكم لا تزال معهودة معمورة على ما هي عليه الآن .." 3/ الأسباب الإقتصادية : إلى جانب العوامل السالفة الذكر هناك من العوامل الأخرى التي ساهمت في دفع فرنسا لإحتلال الجزائر منها العوامل الإقصادية و هي كثيرة و متنوعة ، منها جعل الجزائر مستعمرة تنقل إليها الأموال بغرض الإستثمار ، و تنقل منها الصنائع و المنتوجات التي لا يمكن إنتاجها في فرنسا ، هذا فضلا إلى جلب المواد الأولية الضرورية للإسهام في الصناعة ، كذلك جعل الجزائر مستوطنة خصبة تجلب إليها الأعداد الكثيرة من الفرنسيين و حتى الأروبيين ، و ذلك بغرض الإستيلاء على أجود الأراضي الزراعية و فلاحتها ، هذا إضافة إلى البحث على تصدير البرجوازية الفرنسية التي وصلت إللا السلطة خلال قيام الثورة الفرنسية ، و تأههيلها ماديا . و كانت الأسواق هي الأخرى مثار إهتمام البرجوازية الفرنسية بغرض التصدير للمنتوج الفرنسي الفائض إلى الجزائر و البلدان المجاورة لها ، و كانت الفلاحة من بين الإنشغالات التي دفعت بالرأسمال الفرنسي بالتركيز على ارض الجزائر لما تملكه من خصائص مناخية هامة تساهم في تنويع المحصول الفلاحي لتقارب المناخ المتوسطي مع جنوب فرنسا وإمتلاك الجزائر لمناخات أخرى قارية و شبه جافة و صحراوية وكل ذلك نوع لها لاحقا من الزراعات و تنوع الحوامض و البقول و الفلاحة الصحراوية التي مدت لها السكة الحديدية بغرض تسويق الإنتاج إلى أروبا و تغطية السوق الفرنسي . هذا ناهيك على ما تملكه الجزائر من الثروة السمكية وبالخصوص المرجان فس سواحل القالة و غيرها من موانىء الصيد ، و التي لم تكن غريبة عن فرنسا بعد أن تحصلت على معاهدة الإمتيازات و صيد السمك في موانىء القالة من جراء المعاهدة التي أبرمتها مع السلطان العثماني سليمان القانوني و ملك فرنسا فرنسوا الأول ، و لعلما يوضح الأهمية الإقتصادية الدافعة للإحتلال ما تضمنه تقرير تونير الذي كان في أهميته يشبه إللا حد كبير تقرير الجاسوس الفرنسي بوتان ، و قد وصف التقرير الحالة الإقتصادية التي كانت عليها الجزائر ، و التي تغري أصحاب رؤوس الأموال و المصالح التجارية ، و قال في ذلك الشأن أن المصالح المالية و خزينة الدولة كانت بها ما يزيد عن 150 مليون فرنك ، و أن بالجزائر موانىء عديدة و سهولا خصبة زراعية ، و غابات كثيفة صالحة لبناء السفن ، كما توجد مناجم و مواد أولية تزخر بها الجبال في مناطق عدة من الجزائر ، و في نفس الوقت دغدغ عواطف العسكريين حينما أوصى بإقامة مستعمرات عسكرية فرنسية في الجزائر . و هناك مشروع آخر تقدم به أحد النواب في البرلمان الفرنسي و قد نادى به صاحبه بإقامة مستعمرات عسكرية شبيهة بما فعل الرومان في الجزائر ، و بدعوة الأروبيين أن يتوجهوا إلى الجزائر بدل الهجرة إلى أمريكا . و قال صاحب هذا المشروع إن إحتىل الجزائر سيعوض فرنسا عما فقدته في منطقة الراين و الألزاس و يغنيها عن شراء بعض البضائع مثل التبغ و الحرير و السكر و الزيت و القطن . 4/ الدوافع الدينية : لعل من بين الدوافع الأخرى التي حفزت الإحتلال الفرنسي للجزائر العامل الديني و خدمة المسيحية ، و نشرها في شمال إفريقيا ، و ما الصراع الذي دار في المتوسط منذ سقوط دولة الموحدين إلى بداية الإحتلال إلا صورة عاكسة لذلك . و قد فهم الفرنسيون أن سقوط الجزائر يعني سقوط قلعة إسلامية و عودة الديانة المسيحية إلى ديارها و قد خطب شارل العاشر في جنده عشية الإحتلال و حثهم قائلا : إن الإستيلاء على الجزائر يعني إنتصارا للمسيحية جمعاء . و قد دلت الكثير من الدلائل أن ما إقترفه الفرنسيون مباشرة بعد سقوط العاصمة و ما قاموا به من إهدار ضد الديانة الإسلامية لدليل على ذلك البعد الدفين لضرب الإسلام و المسلمين ، ففي اليوم الموالي لدخول مدينة الجزائر الموافق ل 11يوليو1830 أقاموا إحتفالا دينيا ضخما في الساحة الرئيسية للقصبة حضره الجنرالات و الضباط و الجنود يتقدمهم دوبورمون ، و قد روى أحد الفرنسيين المعاصرين نشوة الإنتصار بقوله : " إن الإحتفال الضخم جرى في القصبة التي بناها أبناء محمد "ص" لمواجهة أبناء عيسى ، و قد رتلوا آيات الإنجيل بأصوات عالية أمام آيات القرآن التي أصبحت ميتة و التي كانت تغطي كل الجدران " و إعتبر الفرنسيون أن الجنود الذين ماتوا في الجزائر شهداء المسيحية ، و قد إتضح ذلك جليا في كتابات أحد الفرنسيين و المدعو بوجولا و هو يكاد ينفجر بإنتصار الصليب على الهلال في أرض الجزائر و يعلن أن الفرنسيين قد علقوا الصليب على ثلاث مآذن في مساجد الجزائر ، و في نظره أن قتلى الحملة من الفرنسيين هم شهداء الحضارة و الوطن و المسيحية و إعتبر أن دماءهم قد وطدت دعائم الكنيسة المسيحية في الجزائر ، و قد دعا إله القديس لويس بتعويضهم على أرواحهم التي أزهقت من أجل المسيحية. 5/ فرض الحصار على البحرية الجزائرية سنة 1827 : بعد عملية الصراع الفرنسي البريطني و فشل هذه الأخيرة في فرض سيطرتها على منطقة شمال إفريقيا ، غيرت من تعاماها مع الجزائريين بغية إضعاف القوة الفرنسية ، و ذلك من بين العوامل التي عجلت بفرنسا لضرب الحصار على سواحل الجزائر ، ففي 15 جوان من سنة 1827 أمر ملك فرنسا شارل العاشر بأن تحاصر سواحل الأيالة الجزائرية حصارا شديدا ، و لا يرفع عنها إلا عندما يقوم الداي حسين بترضية فرنسا و بتقديم الإعتدارات اللازمة لها عن فعلته تجاه القنصل الفرنسي دوفال في قضية المروحة بيوم 29 أفريل من نفس السنة ، مه العلم أن قضية المروحة ما هي إلا حجة ملغمة لتبرير عملية لا تخفى أهدافها السياسية و العسكرية و الدينية و الإقتصادية كما سبق الإشارة إليها ، لأنه من غير المعقول أن تنفق فرنسا أكثر من مائة مليون فرنك فرنسي من أجل التلويح بالمروحة على ممثلها الديبلماسي . و هكذا إستمر الحصار بدل الحملة ، و كان الفرنسيون يهدفون من ورائه إلى قطع التموين على الجزائر ، و كان أسطولهم المحاصر يتكون من 12 سفينة بحرية مهمتها مراقبة الموانىء الجزائرية ، و كانوا يوقفون بعض السفن المشبوهة و يحتجزون بعض السفن الأخرى ، و لكن الحصار لم ينه عمليات القرصنة و بالتالي لم ينجح .و في 3 أكتوبر وقعت معركة بين الطرفين و دامت حوالي أربع ساعات و لم تسفر عن نتيجة لكل من الطرفين . و في 4 جانفي من سنة 1828 فتحت فرنسا المفاوضات من جديد مع الجزائر هادفة على إلغاء الحصار بطريقة مشرفة و مد جسور التعاون من جديد مع الأيالة ، و في 29 أفريل من نفس السنة زارت الجزائر بعثة فرنسية بقيلدة بيزار للتفاوض مع الداي ، و الظاهر أن هذه البعثة فشلت في التفاوض بسبب إصرار الداي على عدم دفع التعويضات لفرنسا ، و عاودت فرنسا الكرة من جديد و أرسلت وفدا للتفاوض برئاسة بيزار لكن الشروط الفرنسية يبدو أنها كانت تعجيزية لأنها طلبت من الجزائر إرسال وزيرا من حكومتها لفرنسا ليقدم الإعتذار و يقوم بدلك بعد أن توقع معاهدة صلح مع فرنسا . و أمام هذه المحاولات المتعددة في التفاوض الدي باء بالفشل عاد الفرنسيون مرة أخرى إللا التفكير في الحملة ضد الجزائر ففي صيف 1828 كلف وزير الحربية الجديد دى كو لجنة خماسية لدراسة المسائل المتعلقة بالحملة على الجزائر و تقديم خطة كافية لتعيين الوسائل و الضروريات لعملية التنفيد ، و مما قامت به هذه اللجنة جمع كل الأخبار و الدراسات على الجزائر منذ 1628إلى 1808 ، و كان رأي اللجنة تقريبا هو ما ذهب إليه بوتان و تونير ، و كان في تقديرها أن تغادر الحملة ميناء طولون في منصف أفريل ، كما قدرت تكاليف الحملة ب25 مليون فرنك ، كما توقعت أن تكون هناك معركة بين القوات الفرنسية و جيوش الداي . و تقول بعض الدراسات أن البرلمان الفرنسي عارض سياسة وزارة الحربية كما وقف عند خسارة الحصار البحري و كذا الظروف الدولية الغير مناسبة ، وطالب من الحكومة اللجوء مرة أخرى للتفاوض بذلا من القوة العسكرية و كان ذلك سنة 1829 و أرسلت الضابط العسكري المدعو دى ننرسيا في مهمة إلى الجزائر للتفاوض مع الداي ، و لم تخرج فرنسا عن مألوفها و هو ضرورة الإعتذارلكن الداي أصر على موقفه الرافض لذلك و إعتبره تنازلا منه لفرنسا . و مع تطور الأحداث في فرنسا و تغيير سلم السلطة ووصول دى بولينيكإلى رئاسة الوزارة في أواخر 1829 وكانت له مشاريع توسعية في الضفة الجنوبية للمتوسط و حتى في أروبا و بلاد الشرق قد زاد من الهوة بين الجزائر و فرنسا خصوصا بعد تغيير وزير البحرية و تنصيب البارون دى هوسي الذي كان يرى ضرورة الإسراع في الحملة على الجزائر في ربيع 1830 . و قد نشرت جريدة المونتور الفرنسية في عددها الصادر يوم 20 أفريل من سنة 1830بيانا توضيحيا تضمن جملة من أغراض الحصار البحري الذي فرض على الجزائريين بعد أن أخطأ الداي في شرف فرنسا و تعنت لرأيه كما ذكرت أيضا بعض الأخطاء التي تراها في سياسة داي الجزائر نذكر منها : 1/ أنه لم يعاقب أهالي مدينة عنابة الذين قاموا سنة 1818 بمهاجمة السفينة الفرنسية لوفورتني . 2/ أن الداي رفع الإتاوة السنوية التي كانت تدفعها المؤسسات الفرنسية المستغلة لموانىء الشرق الجزائري . 3/ أنه أجاب الأميرالين الفرنسي و الأنجليزي اللذين جاءا يقدمان له سنة 1819 مقررات مؤتمر إكس لا شبيل ، بأت له الحق في إستقرار رعايا جميع الدول التي لا تقيم معها علاقات ودية ، و التي لايكون لها تمثيل ديبلوماسي في بلاده . 4/ أن الداي صرح للقنصل الفرنسي أمام الملاء بأنه لم يسمح لفرنسا بأن تنصب و لو مدفعا واحدا على الأراضي الجزائرية، و أنه لم يعد يعترف للفرنسيين بغير الحقوق التجارية التي يتمتع بها الأروبيون الآخرون . 5/ أنه أرسل برقية شديدة اللهجة إلى الحكومة الفرنسية يطالب فيها بالديون التي هي في ذمة فرنسا . 6/ أنه أمر سنة 1825 بتفتيش مقر المؤسسات الفرنسية في عنابة بحثا عن الأسلحة المحظورة التي كان التجار الفرنسيون يبيعونها إلى سكان الشرق الجزائري . 7/ أنه أذن في سنة 1826 لجميع الأمم بصيد المرجان على ساحل الأيالة ، و قد إعتبر الفرنسيون هذا الإجراء تعسفا في حقهم و يحرمهم من أحد الإمتيازات التي ظلوا يتمتعون بها منذ أكثر من ثلاثة قرون . و لعل المتتبع لطل هذه الإدعاءات يجدها شبه باطلة في محتواها ، لأن فرنسا أصبحت تبحت على الدرائع أكثر منها من الحقائق التاريخية ، و ما أجرى عليه الداي من حفظ اسيادة الدولة و الأمر بمراقبة المؤسسات الفرنسية يندرج في إطار المعاهدات المبرمة بين الطرفين منها إتفاقية 1817 التي تنص على ذلك و هي في نظر الداي جزء من السيادة الوطنية ، أم خشونة الداي في تعامله مع القنصل الفرنسي كان طبيعيا بعد رفض السلطة الفرنسية في تسديد الديون بل عدم الإعتراف بها. و برغم ذلك كله فإن الحصار الذي ضرب على الجزائر قد ترك جملة من النتائج يمكن ذكرها في النقاط التالية : 1/ ساد الأيالة جو من التوترساهم في تعطيل الموارد الإقتصادية المختلفة . 2/ تعطيل الموانىء الجزائرية و الإهتمام بالحرب، وكل ذلك أثر سلبا على الميدان الزراعي لدى الفلاحين الذين نقص تصدير منتوجهم من الحبوب للخارج . 3/ أنه فتح آفاقا جديدة للمسيحية بدخولها لشمال لإفريقيا و محاربتها للإسلام . 4/ وضع حدا للتنافس الفرنسي البريطاني الذي ظل قائما منذ أمد طويل حول التمركز و الوصول لإحتلال الإيالة و الأستفادة من خيراتها الإقتصادية و موقعها الجيو إستيراتيجي . وهكذا ففي جلسة 30 جانفي من سنة 1830 قرر مجلس الوزراء الفرنسي بعد دراسة إستغرقت أربع ساعات الأتفاق على الشروع في الحملة على الجزائر ، و في 7 فبرلير أقر الملك الفرنسي شارل العاشر مشروع الحملة ، و أصدر لذلك مرسوما ملكيا بتعين الكونت دي بورمون قائدا عاما للحملة ، و الأميرال دوبيري قائدا للأسطول البحري ،ووقتها بدأت الإستعدادات الرسمية لتنفيذ المشروع ال‘ستعماري الذي دام بقائه في الجزائر أزيد من قرن و نصف كله إستغلال ونهب وخدمة مستقبل فرنسا في الجزائر . الممادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة : 1/ أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوكنية الجزائرية ، الجزء الأول ، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1992 . 2/سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث ( بداية الإحتلال ) ط3 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982 . 3/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، القسم الأول ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1981 . 4/العربي الزبيري ، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1985 . 5/أحمد توفيق المدني ، كتاب الجزائر ، ط2 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984 . 6/ حمدان بن عثمان خوجة ، المرآة ، ترجمة العربي الزبيري ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982 7/مجاهد مسعود ، تاريخ الجزائر ، الجزء الأول ، بدون إسم المطبعة و لا سنة الطبع . | |
|