منارالسجود
مشرفة قسم المراة والمنتديات الاسلامية
الاوسمة : عدد المساهمات : 737 نقاط : 1551 السٌّمعَة : 24 تاريخ التسجيل : 23/08/2010
| موضوع: المحاضرة السادسة في تاريخ الجزائر الجمعة 14 يناير 2011 - 11:51 | |
| المحاضرة السادسة :
نماذج من سياسة الإستدمار الفرنسي في الجزائر بعد الاحتلال تمهيد/ لقد بشر الفرنسيون قبل دخولهم إلى الجزائر أنهم يدخلون الحضارة لهذا البلد الذي كان تحت وطأة الأتراك لقرون عديدة من الظلم و الغطرسة ، و أنهم بإمكانهم يخرجوه من تلك الظروف المزرية ، وروجوا أكاذيب عدة لكسب الرأي العام الفرنسي و العالمي، بل قالوا أن اهتمامهم بالقضية الجزائرية مرده لإهانة القنصل الفرنسي دوفال ، وطرد الأتراك الدخلاء على الجزائر و تحريرها منهم ، ترى هل وفت فرنسا بذلك ؟ و هل طبقت ما جاء في المنشور الذي وزعته على الجزائر عشية الحملة ؟ و هل أوصلت فرنسا الحضارة و الرقي و الإخاء و المساواة للجزائريين بعد أن إستقرأمرها في أرجاء الوطن ؟ أسئلة كثيرة سوف نقف عندها من خلال هذه المداخلة التي توضح نماذج من سياسة القهر و الغطرسة و التهور والنهب و الإقصاء و المتابعة و النفي و الاستنزاف، وكلها صفات ميزت الاستعمار الفرنسي في الجزائر . 1/ طرد الأتراك: لعل الشيء الذي بكرت به الإدارة الفرنسية في التنفيذ بعد سقوط الجزائر العاصمة و استلام مفاتيح القصبة هو التكفل بقضية العنصر التركي حتى توهم الجميع أنها وفية لما وعدت به ، و بعد المفاوضات التي دارت بين الإدارة الفرنسية و ممثلين عن الداي أفضت إلى اختيار الداي حسين للمنفى بنابولي ، بعد أن تبادل الزيارة مع قائد الحملة الفرنسية دوبورمون في 7 جويلية ومعه قرابة 50 شخصا من الترك و العرب ، و طلب باسترجاع حوائجه المسلوبة و التي من بينها كيسا يحتوي على 30 ألف قطعة ذهبية ،أما زيارة القائد الفرنسي للداي فكانت في اليوم الموالي وهي تندرج في سياق ترتيب نقل الداي إلى خارج الوطن . و في 31 جويلية وصل موكب الداي نابولي على متن السفينة الفرنسية جان دارك وكان برفقته 110 ممن فضلوا النفي معه من بينهم الآغا إبراهيم قائد الجيش المهزوم و الخز ناجي بصفته وزيرا للمالية و 57 امرأة من خدام الداي و جواريه. وهكذا تخلصت فرنسا من المسؤول الأول في الجزائر لتتولى أمر ترحيل الأتراك الذين جاء دورهم بعد ترحيل الداي، وتذكر الكثير من الدراسات أن عدد الإنكشارية بلغ عشية الاحتلال زهاء 5000 منهم 891 مدفعيا نقلوا بواسطة السفن الفرنسية إلى بلاد الأناضول بعد تجريدهم من الأسلحة ، و بعد أن خصص لهم القائد الفرنسي أجرة شهرين ، وهذا في الظاهر تكرما من الإدارة الفرنسية لهذه الشريحة المقاتلة ولو أنه في الواقع ليس ذلك، ويعد تخلصا من هذا الجيش الذي كثيرا ما أقلق الدول الأوروبية، ومنها فرنسا ، كما أن الأموال التي خصصا دوبورمون ليست فرنسية وهي أموال جزائرية . 2/ نهب الخزينة : يذكر العديد من المعاصرين للحملة الفرنسية على الجزائر منهم حمدان خوجة و إسماعيل أو ربان أن معظم الجيش الفرنسي كان جاهلا وأن معظمه يتكون من الفلاحين و العامة، ومع ذلك كان أكثر تحمسا للغزو و الاحتلال و التوسع و الهيمنة و ركوب البحر للتخلص من البحرية الجزائرية ، و إبعاد الخطر المخيف الذي أقلق الدول الأوروبية قرونا عديدة و من تم محاربة الأتراك وشعوب الشمال الإفريقي و تخليص المسيحية من هذه الشعوب ، ومن دون شك أن هذا التكوين الحسي الوطني لدى المقاتلين الفرنسيين لم يكن صدفة بل هو نتاج مرحلة هامة من الترويض و الدراسة و التمكين بغرض إنجاح الحملة و خدمة سمعة فرنسا . و كان إلى جانب الجنود النظاميين يوجد صنف آخر من المغامرين الشباب ، هذا ناهيك عن فئة المثقفين و رجال الأدب و التراجمة و الصحافيين و الرسامين و المحامين و غيرهم ممن هبوا لنصرة فرنسا و إرضاء المسيحية جمعاء . وبعد وصول الجيش الفرنسي إلى دار السلطان أخذ مباشرة في نهب خزينة الدولة الجزائرية التي كان بها ما لا يقل عن 50 مليون دولار ، ولعل ما يفسر ذلك أن الداي حسين عندما نقل مقره من قصر الجنينة إلى أعالي القصبة استغرق ما يقارب عن نصف الشهر ، وجهز لنقا محفوظات الخزينة 50 بغلا لكل ليلة . لذلك كانا فرنسا اعتبرت نفسها أنها نجحت في الحملة من دون تكلفة مالية مقارنة بما وجدوه في خزينة الداي ، بعد أن سلم الخز ناجي مفاتيح الخزينة لدوبورمون ، وقدر الفرنسيون رسميا قيمة ما وجدوه في الخزينة ب 55.684.527 ف موزعة بين الذهب و الفضة و الجواهر ونقود و نحوها . و إذا كان دوبورمون قد اهتم ببيت مال الداي، فإن جنوده قد نهبوا القصبة وما احتوته من كنوز ثمينة وخلعت أبواب المحلات و المنازل ونهت الأموال و الأثاث و الحلي و كثر الاعتداء على الأشخاص و انتشرت الفوضى و اللصوصية ، ومن تم انتهكت حرمة الأملاك سواء التابعة للدولة أو أملاك الخواص ، وقدرت أملاك البايلك ب5000 ملكية ، بالإضافة إلى عقارات الخواص ، وأملاك الوقف التي كانت مصنفة إلى سبعة أنواع هي : أوقاف مكة و المدينة وهي كثيرة و غنية ، وأوقاف المساجد و أهمها الجامع الكبير و أوقاف الزوايا و أوقاف الأندلس و أوقاف الأشراف ، و أوقاف الإنكشارية ، و أوقاف الطرق العامة و أوقاف عيون الماء ، وقد استحوذت فرنسا على جميعها وو وصف أحد المؤرخين الفرنسيين : بول آزان تلك الحالة المأساوية التي كانت عليها العاصمة بأنه ليست هناك مدينة في العالم قد شهدت عند احتلالها ما شهدته مدينة الجزائر بقوله : إن الجنود ارتكبوا أعمالا وحشية فخربواالفلات وقطعوا أشجار الحدائق وخلعوا أعمدة المنازل لإيقاد النار و أتلفوا أنابيب المياه وهدموا السواقي كي تشرب حيواناتهم ، وتسببوا في تفجير مخزن للبارود ، ولم يحافظوا على صحتهم و كثر المرض فيهم حتى أعلن المتصرف : دينييه يوم 24 جويلية أن المستشفيات دخل بها 2500 مريض . 3/ تنظيمات الاستيطان : إن أول ما قام به قائد الحملة الفرنسية و تحرير المسجونين الفرنسيين في الجزائر الذي قدر عددهم وقتئذ ب 122 سجين مع العلم أنهم لم يطلقوا المساجين المكبلين في السفن الفرنسية ، كما وضع دوبورمون نواة أولى للإدارة الفرنسية في الجزائر ، وكلف لها لجنة مالية حكومية برئاسة دينييه و جعل أعضائها من الفرنسيين و العرب و اليهود و أبعدوا منها العناصر التركية، ومن مهام اللجنة تسيير المدينة و توفير حاجيات الجيش و السكان ، و إيجاد الأمن ، وتعد هده اللجنة بمثابة نواة الحكومة الفرنسية العامة التي ستلد بعد توصايت اللجنة الإفريقية سنة 1834 . أما اللجنة الثانية التي برزت في عهد دوبورمون فهي لجنة البلدية المشكلة من أعيان الحضر و كبار اليهود الذين وجدوا الفرصة سانحة للانتقام من الجزائريين ، و كانت اللجنة برئاسة الفرنسيين ، ومن بين الجزائريين الذين كانوا ضمن اللجنة أحمد بوضربة و حمدان خوجة و إبراهيم بن مصطفى . أما اللجنة الثالثة فهي دينية مالية تشرف على الأوقاف و مواردها ، وقد سموها اللجنة الخيرية للغوث ، وهي مؤلفة من 9 أشخاص هم: 5 جزائريين وقد عمل بها حمدان بن عثمان خوجة . وخلال السنوات الأولى للاحتلال لم يكن هناك نموذج إداري اتبعه الفرنسيون ، وقد دام الحال كذلك ‘إلى مجيء اللجنة الإفريقية و صدور قرار جويلية 1834 الذي ألحق الجزائر بفرنسا ونظم إدارتها على نحو شبيه بما كان يجرى في فرنسا ، ومن الذين تولوا خلال السنوات الأربعة الأولى بعد دوبورمون الجنرال كلوز يل وبر تزين و الدوق دي رو فيقو وفوار ول ، وكلهم كانوا مهتمين بمشاريع الاستعمار ، ومحاربة الثوار أكثر ما كانوا مهتمين بالتنظيم الإداري ، ومنذ 1834 أعطت الحكومة الفرنسية الموافقة على إلحاق الجزائر بفرنسا و إعطائها إدارة خاصة في منصب الحاكم العام الذي كان مسؤولا أمام الحكومة الفرنسية عن الأمور المدنية و العسكرية في الجزائر .وهكذا ظلت الجزائر تحت الحكم العسكري إلى عهد الجمهورية الرابعة وإلغاء الإدارة العسكرية في الشمال و إبقاء الجنوب تحت النظام العسكري حتى استقلال الجزائر. 4/ طمس المعالم الجزائرية و إبطال القيم الوطنية : منذ أن وطأت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر وهم يحاربون المعالم العربية الإسلامية و طمسها وتحويلها إلى المعالم الفرنسية ، وقد شمل ذلك المدن التي احتلوها و تجسد ذلك في تغيير أسماء الشوارع و تهديم المنازل و الأسواق ، مع إحداث الساحات بذلها بأسماء قادة الحملة الفرنسية وبعض زعماء فرنسا ، كما حولت العديد من القصور إلى مؤسسات عسكرية و مستشفيات ونحوها .كما حولت المساجد إلى كنائس وأغلقت المدارس و الزوايا ودور القرآن و التعليم . ومن أهم المدن التي تعرضت في العشرية الأولى للاحتلال للطمس و التهديم ، مدينة الجزائر باعتبارها دار السلطان ورمز القوة البحرية، ومن أمثلة ذلك نقل بعض المدافع الجزائرية إلى فرنسا مثل مدفع بابا مرزوق الذي تعود صناعته ‘إلى القرن 16 وهو يمثل رمز قوة البحرية الجزائرية وخلال وقت قصير جدا هدم الفرنسيون مئات المنازل في الجزائر لإقامة ساحة عمومية تسمى حاليا ساحة الشهداء ، وكانت طريقة البناء تؤدي إلى سقوط العديد من المباني لارتباطها ببعضها البعض ، كما أطلقت أسماء رومانية و أروبية و حتى تاريخية على العديد من الأزقة مثل شارع يوبا و شارل الخامس وشارع كليبر وغيرت اسم باب المرسى بباب فرنسا ، كما أدخلت تعديل على اللباس مثل القبعة ونزع اللحاف وكذلك بناء المخامر ومقرات الموسيقى و المراقص و الكحول و المشروبات وغيرها من أماكن المجون و اللهو .و التي من خلالها غرس الثقافة الجديدة الأوروبية في الجيل الجزائري الجديد ، وهي متناقضة كل التناقض مع ما كان لدى الجزائريين باعتبارهم متمسكين بالتقاليد و العرف و الديانة الإسلامية .
5/ الاستهتار بالمؤسسات الدينية و نشر المسيحية : في يوم الأحد الموالي لدخول الفرنسيين القصبة أي 11 جويلية أقاموا حفلا دينيا في حي القصبة حضره الجنرالات و ضباط الحملة بزعامة دوبورمون ، وكان الحفل استفزازيا للجزائريين ، وعبر عن نشوة الانتصار وغلبة فرنسا على الجزائر وقد حط ذلك من معنويات الجزائريين ورفع من ثقة الفرنسيين ، وقد عبر عن ذلك النصر الكبير أحد الفرنسيين بقوله : إن الاحتفال الضخم جرى في القصبة التي بناها أبناء محمد ص لمواجهة أبناء عيسى عليه السلام ، وقد رتلوا آيات الإنجيل بأصوات عالية أمام آيات القرآن التي أصبحت ميتة والتي كانت تغطي كل الجدران . كما يذكر الفرنسي بوجولا أن الانتصار هو انتصار المسيحية وأن الفرنسيين علقوا الصليب على ثلاث مآذن في مدينة الجزائر و أن الذين ماتوا هم شهداء الحضارة و الوطن و المسيحية ، كما جعلوا من مسجد كتشاوة الذي بناه حسن باشا سنة 1794 كاتيدرالية ، وفي سنة 1838 أسسوا أسقفية الجزائر الناطقة باسم المسيحية في المستعمرة . و إذا كانت مساجد الجزائر حسب إحصائية أحد الرحالة الهولنديين خلال القرن 17 هي 700 مسجدا ، فإن عددها تقلص سنة 1830 إلى 176 ، وفي سنة 1899 لم يبق سوى 5 مساجد على مستوى الجزائر العاصمة وهي: الجامع الكبير، و الجامع الجديد، و جامع سيدي رمضان، وجامع سفير وجامع عيسى باشا. كما هدمت الكثير من المساجد منذ بداية الاحتلال مثل مسجد السيدة الذي زركشة حسن باشا بالرخام المستورد من إيطاليا ، كما حولت العديد من المساجد على كنائس كجامع القصبة و جامع القائد وغيرهم ، ولذلك لا غرابة أن نجد الشاعر محمد بن الشاهد الذي عاصر الحملة الفرنسية و تولى الفتوى قبيل الاحتلال وقد حز في نفسه ذلك المشهد الرهيب و ما أصبح عليه الوضع في الجزائر و دون كل ذلك في قصيدة تاريخية هامة جاء في بعض ـبياتها قوله : و نالوا من الأموال يسرا ميسرا * و فازوا بها و القلب يصلى على الجمر أموت وما تدري البواكي بقصتي * وكيف يطيب العيش و الأنس في الكفر وخلال منصف القرن التاسع عشر رصدت الإدارة الفرنسية إمكانات مادية ضخمة لانجاح سياسة التغريب و الإلحاق و الدمج ، و اتضح ذلك في مشروع الكاردينال لا فيجري الذي راهن على جعل الجزائر بوابة لتمسيح إفريقيا بوسائل عديدة منها التعليم و التطبيب و المعونات الخيرية و جمع الأطفال اليتامى واستغلال الأزمات التي ألمت بالجزائريين مثل المجاعة وغيرها ، وقد ركز لا فيجري في مشروعه على بلاد القبائل ، و أسس منظمة الآباء البيض التي قامت على عاتقها نشر المسيحية ،وأشار إلى ذلك بقوله : ليس الهدف من فتح المدارس في شمال إفريقيا هو نشر التعليم ، ولكن الهدف هو تبديل لغة بلغة و دين بدين وعادات بعادات ..
المصادر و المراجع : 1/ سعد ، الحركة الوطنية الجزائرية ، الجزء الأول . 2/حمدان خوجة ، المرآة . 3/ عبد الرحمان الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام ، ج4 . André Canac ; la justice musulmane 4/
| |
|