فكما أن الماء له دور محوري في ألوان الثمرات (النباتات)، فإن له دورًا أيضًا في ألوان الجبال.
ويمكن عرض موجز ما توصل المتخصصون إليه في النقاط التالية:
تظهر ألوان الصخور (ومن ثم ألوان الجبال) نتيجة لألوان المعادن الموجودة بها، ويتوقف لون المعدن على التركيب الكيميائي له وظروف البيئة التي يتكون فيها، إن كانت مؤكسدة أم غير ذلك. وتتغير ألوان المعادن بامتصاصها لكمية من الطاقة أو الموجات الضوئية، وأشد المعادن تأثرًا بذلك المعادن المحتوية لفلزات انتقالية مثل الحديد والكروم والمنجنيز، وتتغير ألوانها بظاهرة الامتصاص فيما يسمى “نظرية المجال البللوري”
ولما كان الماء أكثر السوائل انتشارًا (وخصوصًا السوائل ذات الكثافة المنخفضة)، وأكثر السوائل مقدرة على الإذابة، وأكثرها مقدرة على النقل، وأفضل العوامل المساعدة في تفاعلات المعادن السيليكاتية في الصهارة (الماجما)، وأفضل العوامل المساعدة في تحويل الصخور من نارية أو رسوبية إلى متحولة، فإنه يتدخل في تحديد ألوان الصخور بتدخله في عمليات جيولوجية خارجية وعمليات جيولوجية داخلية. أما العمليات الخارجية فتستمد الطاقة اللازمة لحدوثها من الشمس، وأهمها عملية التجوية (Weathering) وعملية الترسيب (Sedimentation)، ويتدخل الماء في تغيير ألوان معادن كالفلسبار والبيروكسين والهورينلند والميكا، ويتدخل في أكسدة المعادن الحديدية فينتج مثلاً معدن الجوسان (Gossans) من الأكاسيد الحديدية المائية، وهي الأكاسيد التي يحدد محتواها المائي ألوان المعادن الناتجة عنها. كما أن الماء يقوم بدور ضروري في تحويل العديد من المعادن الأولية إلى معادن ثانوية ذات التراكيب الكيميائية والألوان العديدة، مثل المعدن الأولي المسمى يورانينيت ذي اللون الأسود الداكن، الذي يتحد بأيونات وكتيونات عديدة فينتج أكثر من مائة معدن ثانوي ذات ألوان جميلة.
كما تذوب عناصر مثل الحديد والمنجنيز في الماء، ويعاد توزيعها على أسطح الحبيبات والبللورات، ومن ثم تصطبغ هذه الحبيبات والبللورات بألوان حمراء أو بنية أو بنفسجية أو غيرها من الألوان. وتحدث في المناطق غزيرة الأمطار عمليات التجوية الكيميائية حيث يغسل الماء المعادن، فتتبقى منها رواسب مثل الهيروكسيدات والسيليكات المتميهة والكاولين والبوكسيت (الألومنيوم الخام) والحديد والنيكل.
وأما دور الماء في تغيير ألوان الصخور (ومن ثم ألوان الجبال) عن طريق تدخله في عمليات الترسيب، فهو دور واضح جدًّا؛ إذ تتبلور المعادن نتيجة التبخر، فتصطبغ بألوان معينة ويتوقف هذا على محتواها المائي (مثل الإنهيدريت والجيبسوم)، وتتكون رسوبيات غروية (colloidal sediments) في أثناء فعل عمليات التجوية، وتجري في الماء وتتجدد بأيونات معينة، وكذلك يتكون الكثير من المواد اللاصقة التي تربط فيما بين الحبيبات المنقولة إلى أحواض الترسيب، فتكسب الصخور ألوانًا مميزة، ومن هذه الصخور: الحجر الرملي الحديدي..
وإذا كانت هناك عمليات جيولوجية خارجية تجدد ألوان الصخور، فهناك أيضًا عمليات جيولوجية داخلية، وهي العمليات التي تستمد الطاقة اللازمة لحدوثها من حرارة باطن الأرض، وتتكون المعادن فيها من الصهارة، وبالتالي يكون للماء –وهو من مكونات الصهارة- دور كبير في جميع مراحل التبلور، كخفضه لدرجة حرارة التبلور، وتأثيره في لزوجة الصهارة وبالتالي خروجها على شكل صخور بركانية من الأرض أو بقائها لتتبلور في أعماق الأرض؛ وتأثيره في درجة تأكسد الحديد، وتحديد نسب الحديديك إلى الحديدوز، وهي النسب التي تحدد ألوان الصخور البركانية؛ وتدخله في تركيب أنواع كثيرة من البللورات التي تنفصل من الصهارة؛ وارتفاع نسبة وجوده في الصهارة يؤدي إلى تكوين معادن مثل الأمفيبول والميكا، وقلته في البللورات المتكونة تؤدي إلى تركيز عناصر ذات قيمة اقتصادية (للإنسان) في تحاليل حرمائية (hydrothermal solutions) تترسب منها فيما بعد معادن ذات ألوان مختلفة.
وكما أن للماء دورًا كبيرًا في تحديد ألوان الصخور بالعمليات الجيولوجية الخارجية والعمليات الجيولوجية الداخلية، فله دور كبير أيضًا في تحديد ألوانها لعمليات التحول (Metamorphic processes)، وهي العمليات التي تحدث في قشرة الأرض، وتصاحبها تغيرات في الضغط والحرارة، وتتحول فيها المعادن أو يتغير تركيبها الكيميائي وصفاتها الفيزيائية، وبالتالي يتغير المظهر الخارجي للصخر. ومن هذه العمليات: تحول الأوبال إلى كوارتز، وتحول الليمونيت إلى هيماتيت أو ماجنتيت. ويتدخل الماء كذلك في إعادة تبلور بعض المعادن وإعادة توزيع العناصر داخل المعدن ذاته، وكلها عمليات وحقائق عملية تزخر كتب الجيولوجيا المتخصصة بشرحها وتفصيلها