إن الأبناء هم زهرة الحياة
الدنيا، وغالبا ما يكون في وجودهم المسرات لما يملأون البيت به من حركة
ونشاط، ويشيعون بين جنباته من البهجة والسرور، فمن حقهم على آبائهم تعليمهم
وتربيتهم التربية الصالحة، واستثمار العطلة فيما يعود عليهم بالخير، حتى
إذا ما شبوا كبارا وقد تدربوا على العمل اقبلوا عليه بالحب والإخلاص.
فعليكم أيها الآباء أن لا تضيعوا جل وقتهم الثمين باللهو واللعب، فيكونوا
بذلك قد خسروا جزءا من عمرهم لا فائدة فيه ولا نفع من ورائه.
التربية ليست محصورة بين جدران المدرسة فقط
فالأب الحريص على أبنائه يوجههم ويرعاهم ويسأل عنهم ويقدم
لهم النصيحة الصادقة والوصية الخالصة، فيسعد واياهم في الدنيا والآخرة. إن
انعدام التوجيه، والتوجيه الخاطئ يؤديان إلى المشاكل المتعددة التي لا
تحمد عقباها، سواء كان ذلك للأبناء، أو الآباء، أو الأهل أو الجيران…
والتربية
ليست محصورة بين جدران المدرسة فقط، بل هي في البيت وفي المسجد، وفي
المصنع والمتجر ومكان العمل، حتى في الشارع اذا أحسن فهم آدابه. ومع هذا
فإن البيت يبقى هو المدرسة الأولى، فيه ينشأ الفتى على ما عوّده والداه،
وهما القدوة والمثل الأعلى له في كل شيء، فمن اعتنى بهم صغاراً سرَّ بهم
وجنى ثمارهم في الكبر. وما دام الأمر كذلك فإن على الوالدين أن يربوا
أولادهم التربية الصحيحة ويرشدوهم إلى مكارم الأخلاق وعظيم الحلال، يحسنوا
أدبهم ويهذبوا طباعهم ليشبوا رجالاً صالحين، ينفعون أنفسهم وأهليهم
ومجتمعهم بسواعدهم الفتية وعقولهم النيرة، وعزائمهم القوية.
هدم مستقبلهم
كما أن
على الوالدين أن لا يهملوا أولادهم ويتركوا لهم الحبل على الغارب في اختيار
من يشاءون من الأصدقاء، بل عليهم أن يوجهوهم إلى اختيار الأصدقاء ذوي
الدين والخلق الحسن، ويحذروهم من أصدقاء السوء، لئلا يكونوا سبباً في
انحراف طباعهم وفساد قلوبهم وطويتهم وضياع أخلاقهم وهدم مستقبلهم. نعم،
عليهم أن يزينوا لهم مصادقة الاختيار، ويجنبوهم صحبة الأشرار، ويحذروهم من
مرافقة أصدقاء السوء، فإن صحبة هؤلاء تفسد عليك ولدك، ولا شك أنكم سمعتم
عما في المخدرات وغيرها من مصائب ونوازل، يهلك المرء فيها نفسه وماله ويبيع
عرضه وشرفه بسبب مصادقته لمنحرف سيء باع آخرته بدنياه أو بدنيا غيره.
اجعلوا أبناءكم تحت أنظاركم وموضع اهتمامكم ومحط عنايتكم، فإن الله سائلكم
عنهم، وحذروهم من رفقاء السوء قبل فوات الأوان، أرشدوهم للتي هي أقوم حتى
لا تندموا ويندموا، قال الله تعالى مبيناً ندم هؤلاء يوم القيامة: (
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ
جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ) سورة الفرقان آية 27
منحلين غير مبالين
لا
أقول لكم قيدوهم وامنعوهم من الخروج، ولكن لا إفراط ولا تفريط، كونوا وسطا،
فخير الأمور أوسطها كما قال عليه الصلاة والسلام، فلا ينبغي أن تكون
الحياة كلها ترفيها وتسلية ولعبا وتنزها في الحدائق العامة وتسكعا في طرقات
المارة، وكما أنه لا ينبغي من شبابنا أن يكونوا عابسين متجهمين، فلا ينبغي
أن يكونوا منحلين غير مبالين، وكما نطالبهم بالجدية فإنه ينبغي ألا نحرمهم
من المرح البريء والترفيه العفيف، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو قدوتنا يمازح أهله وأصحابه، ولكنه لم يكن يقول إلا حقا، وثبت أنه كان
يسابق عائشة رضي الله عنها، ويصارع بعض أصحابه ويعلمهم الفروسية والرمي.
كما نسأله - سبحانه - أن يحفظ أبناءنا من الضياع