مقالة : الاخلاق النسبية و الموضوعية
هل استجابة الفرد لمصلحته يعدّ انحرافا عن الأخلاق؟-هلالسلوك الأخلاقي
إمتداد للسلوك الطبيعي؟-هل المنفعة أساس الأخلاق؟-هل اللذّة خيروالالم
شرّ؟-هل تستطيع عقولنا تصوّر ماينبغي أن يكون عليه السلوك؟
-المقدمة :
تحرّكالإنسان دوافع كثيرة ومتنوعة (عضوية, نفسية, اجتماعية) نحاول إشباعها
من أجل تحقيقالتوازن مع ذاته ومع الآخرين لكن حقيقة الإنسان لا تتجلى في
إشباع الدوافع فقط. بلفي قدرته على التمييز بين الخير والشرّ بحثًا عن
السلوك الأفضل وهذا ما يعرف فيالفلسفة بموضوع "الأخلاق", غير أن أساس
القيمة الأخلاقية مسألة تحتاج إلى تحليل منأجل تحديد مصدر الإلزام الخلقي
وهي مسألة تعددت فيها الآراء بتعدد أبعاد الشخصيةوالإشكالية التي تطرح
نفسها:هل تُؤسّس الأخلاق على المنفعة أم العقل؟
/الرأي الأول (الأطروحة):
ترى النظرية النفعية أن مصدر الإلزام الخلقي يكمن في طبيعة الإنسان, التي
تدفعه إلى طلب اللّذة والتمسّك بها والنفور من الألم (فاللذة هي الخير
والألمهو الشر) والإنسان برأيهم أناني يبحث دائما عن مصلحته والقيم التي
يؤمن بها هي التيتتوافق مع هذه المصلحة, تعود هذه الأطروحة إلى آراء
الفيلسوف اليوناني "أرستيبالقورينائي" الذي قال {اللذة هي الخير الأعظمهذا
هو صوت الطبيعة فلا خجل ولا حياء} وهو يرى أن اللذة الفردية هي أساس العمل
الخلقي, غير أن "أبيقور" فضّل اللذاتالمعنوية عن اللذات الحسية مثل التأمل
الفلسفي ومحور حياة الإنسان هو اللذة فهي شرطالسعادة وهي مقياس الأفعال
وهذا ما تؤكده العبارة الشهيرة {اللذة هي بداية الحياةالسعيدة وغايتها هي
ما ننطلق منه لنحدد ما ينبغي فعله وما ينبغي تجنبه}. وفي العصرالحديث ظهر
ما يسمى مذهب "المنفعة العام" على يد الفلاسفة الإنجليز ومنهم "بنتام"
الذي نقل موضوع الأخلاق من المجال الفلسفي التأملي إلى المجال التجريبي
وهذا مايتجلى في مقياس حساب الذات حيث وضع مجموعة من الشروط وقال {اللذة
إذا اتحدت شروطهاكانت واحدة لدى جميع الناس}ومنها شرط "الشدّة" أي شدة
اللذة أو ضعفها هو الذي يحددخيريتها أو شرها وشرط "الصفاء" أي وجوب كون
اللذة خالية من الألم لكن أهم هذهالشروط على الإطلاق هو "المدى" أي امتداد
اللذة إلى أكبر عدد ممكن من الناس وهكذاالإنسان عندما يطلب منفعته بطريقة
عفوية هو يطلب منفعة غيره, غير أن تلميذه "جونستيوارت ميل" نظر إلى موضوع
المنفعة من زاوية الكيف وليس الكمّ وفي نظره أن شقاءالإنسان مع كرامته
أفضل من حياة الخنزير المتلذذ وهذا المعنى أشار إليه في أحدنصوصه {أن يعيش
الإنسان شقيّا أفضل من أن يعيش خنزيرا رضيا, وأن يكون سقراط شقياأفضل من
أن يكون سخيفًا سعيدًا}فالأخلاق تُؤسس على المنفعة.
نقد:
إن هذه الأطروحةنسبية لأن المنفعة متغيرة مما يعني عدم ثبات القيم الأخلاقية ومن ثمَّ إمكانية حدوثفوضى إجتماعية.
/الرأي الثاني (نقيض الأطروحة):
ترى النظرية العقلية أن الأخلاقالحقيقية يجب أن تُؤسّس على ما يميّز
الإنسان عن الحيوان وقصدوا بذلك العقل الذي هومصدر الإلزام الخلقي في
نظرهم وهو القاسم المشترك بين جميع الناس والعقل يستطيعتصوّر مضمون الفعل
ثم الحكم عليه, فعلامة الخير عند "سقراط" أنه فعل يتضمن فضائلوعلامة الشر
أنه فعل يتضمن رذائل, ورأى "أفلاطون" أن محور الأخلاق هو الفعل فقال {يكفي
أن يحكم الإنسان جيّدًا ليتصرف جيّدًا} وفي نظره الإنسان لا يفعل الشرّ
وهويعلم أنّه شرٌّ وإنما الجهل هو سبب ذلك, ورأى "أرسطو" أن الأخلاق تجلى
في السلوكالمعتدل وقال في كتابه "الأخلاق إلى نيقوماخوس" {الفضيلة وسط بين
رذيلتين} ومنالأمثلة التي توضح هذه الفكرة أن الشجاعة خير لأنها وسط بين
الجبن والتهوّر والعدلخير لأنه وسط بين الظلم والإنظلام. وفي العصر الحديث
أرجع "كانط" الإلزام الخلقيإلى العقل وقسّم فلسفته إلى ثلاثة أقسام العقل
النظري الذي يدرس المعرفة وطرقبنائها والعقل العملي الذي يشتمل على الدين
والأخلاق والعقل الجمالي ورفض إرجاعالأخلاق إلى سلطة خارجية (الدين,
المجتمع) لأن في ذلك سلب لحرية الإنسان ورفضالمنفعة لأنها متغيّرة
والأخلاق عنده تأتي استجابة لسلطة العقل أي أداء الفعلاحتراما للقانون
العقلي في ذاته فيظهر الفعل الأخلاقي عن حريّة ويصبح كلّياً, قال "كانط"
{اعمل بحيث بحيث يكون عملك قانونا كلّياً} ويتميّز بالمثالية ويكون
دائمامطلوبا لذاته قيل {عامل الناس كغاية لا كوسيلة} فالأخلاق مصدرها
العقل.
نقد:
هذهالأطروحة نسبية لأنها اهتمت بدور العقل في بناء الأخلاق وتجاهلت دور الدين ثم أنالعقل ليس ملكة معصومة من الخطأ.
/التركيب:
يطرح المشكل الأخلاقي في المقام الأولإشكالية المعيار والأساس وكما قال
"جون ديوي" {لا تظهر المشكلة الأخلاقية إلا حينتعارض الغايات ويحتار المرء
أيّها يختار} ومن هذا المنطلق نرى أن المذهب العقلي أخذصورة مثالية متطرفة
من خلال الاكتفاء بالعقل وحده وإهمال عنصر [الدين] وهنا تظهرمقولة
"فيخته"{الأخلاق من غير دين عبث} وبيان ذلك أن جوهر الأخلاق هو الإلزام
وحسنالخلق. وهذا ما أشار إليه "أبو حامد الغزالي" في كتابه [إحياء علوم
الدين] {حسنالخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة وإلى اعتدال قوة
الغضب والشهوةوكونها للعقل والشرع مطيعة} فالأخلاق الحقيقية تُؤسس على
الفطرة السليمة وتفاعلالعقل مع النصوص الدينية والمُتغيّرات الاجتماعية
وكما قيل {للشرع التنوير وللعقلالاجتهاد}.
- الخاتمة :
وفي الأخير الأخلاق بحث فلسفي قديم تبحث في ما يجب أن يكونعليه سلوك
الإنسان وهي قسم من "فلسفة القيم" طرح الكثير من الإشكالات أهمها
مصدرالإلزام الخلقي حيث تضاربت آراء الفلاسفة وتعددت تبعاً لأبعاد شخصية
الإنسان وكلمذهب نظر إلى مصدر القيم نظرة أحادية هذا الذي جعلنا نتجاوز
هذه المذاهب نحو رؤيامتكاملة تجمع بين العقل والنصوص الدينية والمتغيرات
الاجتماعية ورغم أن حركة الجدلالفلسفي لا يمكن أن تتوقف عند حلٍّ نهائيٍ
إلا أنه أمكننا الخروج بهذا الاستنتاج :"الأخلاق الحقيقية هي التي تتوافق
مع شخصية الإنسان بكاملأبعادها