كيف يُحَفَّظ القرآن للأطفال
إن الهدف المرجو هو مساعدة الطفل على حب القرآن الكريم ، من أجل أن يسهُلعليه حِفظه ، وفهمه ، ومن ثمَّ تطبيقه .
ومن أجل ذلك علينا أن نبدأ منالبداية ، وهي اختيار الزوج أو الزوجة الصالحة .
فقبل أن ننثر البذور عليناأن نختار الأرض الصالحة للزراعة ، ثم المناخ المناسب لنمو هذه البذور ...حتى نضمنبإذن الله محصولاً سليماً من الآفات ، يسُرُّ القلب والعين .
بعد ذلك تأتيالمراحل التالية ، والله المستعان عليها:
أولاً : مرحلة الأجِنَّة :
في هذه المرحلة يكون الجنين في مرحلة تكوينمن طَور إلى طَور ... ولك أن تتخيل جنينك وهو ينمو ويتكون على نغم القرآن المرتَّل !!!!
فلقد أثبتت البحوث والدراسات المتخصصة في علم الأجنة أن الجنينيتأثربما يحيط بأمه، ويتأثر بحالتها النفسية ، حتى أنه "يتذوق الطعام التي تأكلهوهي تحمله، ويُقبل عليه أكثر مِمَّا يُقبل على غيره من الأطعمة !!!
كما أثبتتالأبحاث أن هناك ما يسمَّى "بذكاء الجنين "
أما أحدث هذه الأبحاث فقد أثبتتأن العوامل الوراثية ليست فقط هي المسئولة عن تحديد الطباع المزاجية للطفل ، ولكنالأهم هي البيئة التي توفرها الأم لجنينها وهو ما زال في رحمها ، فبالإضافة إلىالغذاء المتوازن الذي يحتوي على كل العناصر الغذائية والفيتامينات التي تحتاجهاالأم وجنينها ، و حرص الأم على مزاولة المشي وتمرينات ما قبل الولادة ، فإن الحاملتحتاج أيضاً إلى العناية بحالتها النفسية ، لأن التعرض للكثير من الضغوط يؤدي إلىإفراز هورمونات تمر إلى الجنين من خلال المشيمة ، ،فإذا تعرض الجنين إلى ضغوط نفسيةمستمرة ، فإنه سيكون في الأغلب طفلاً عصبياً ، صعب التهدئة، ولا ينام بسهولة ... بلوربما يعاني من نشاط مُفرِط ، وًمن نوبات المغص "
إذن فالحالة النفسية للأمتنعكس - بدون أدنى شك- على الجنين ، لأنه جزء منها ... لذا فإن ما تشعر به الأم منراحة وسكينة بسبب الاستماع إلى القرآن أو تلاوته ينتقل إلى الجنين ، مما يجعله أقلحركة في رحمها، وأكثر هدوءا ً، بل ويتأثر بالقرآن الكريم ... ليس في هذه المرحلةفقط ،وإنما في حياته المستقبلية أيضاً!!
ولقد أوضحت الدراسات المختلفة أنالجنين يستمع إلى ما يدور حول الأم
ويؤكد هذا فضيلة الشيخ الدكتور "محمدراتب النابلسي"-الحاصل على الدكتوراه في تربية الأولاد في الإسلام- في قوله : " إن الأم الحامل التي تقرأ القرآن تلد طفلاً متعلقا ً بالقرآن "
كما أثبتتالتجارب الشخصية للأمهات أن الأم الحامل التي تستمع كثيراً إلى آيات القرآن الكريم، أو تتلوه بصوت مسموع يكون طفلها أكثر إقبالاً على سماع القرآن وتلاوته وتعلُّمهفيما بعد ، بل إنه يميِّزه من بين الأصوات ، وينجذب نحوه كلما سمعه وهولا يزالرضيعاً !!!!!
لذا فإن الإكثار من تلاوة القرآنوالاستماع إليه في فترة الحمليزيد من ارتباط الطفل عاطفياً ووجدانياً بالقرآن ، ما يزيد من فرصة الإقبال علىتعلُّمه وحِفظه فيما بعد.
ثانياً : مرحلة ما بعد الولادةحتى نهاية العام الأول :
تبدأ هذه المرحلة بخروج الجنين إلىالدنيا حيث أول محيط اجتماعي يحيط به ، لذا فإنها تعد الأساس في البناء الجسديوالعقلي والاجتماعي للطفل ، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعاليوالنضوج العاطفي ، فلا عجب إذن أن يركز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصةبالطفل في هذهِ المرحلة، "فالطفل في أيامه الأولى، وبعد خروجه من محضنه الدافئ الذياعتاد عليه فترة طويلة يحتاج إلى التغذية الجسمية والنفسية ليعوِّض ما اعتادهوأِلفه وهو في وعاء أمه ."
لذا نرى المولى سبحانهيوصي الأم بأن ترضع طفلها حولين كاملين ، ويجعل هذا حقاً من حقوق الطفل ، كما نراه –عز وجل - يكفل للأم في هذه الفترة الطعام والكساء هي ورضيعها،كما جاء في قوله سبحانه (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّحَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَىالْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف) [البقرة:233]
ولقد فطن العرب منذ آلاف السنين إلى تأثير فترة الرضاعة على تكوين شخصيةوطباع الطفل فكانوا يختارون لأبنائهم المرضعة حسنة الخُلُق ، الودودة .
ولطالما عجبت كاتبة هذه السطور من السيدة "آمنة بنت وهب" التيألقَت بوليدها الوحيد بين أحضان امرأة أخرى يلتقم ثدياً غير ثديها، وينهل من حنانغير حنانها، وهي التي مات عنها زوجها ، وهي بعد لم تزل عروسا ً زُفت إليه منذشهور...ولكن التفكير في مصلحة الوليد كان فوق كل هذه المشاعر والأحاسيس، فقد كانتمكة تعد بلاد حَضَر، وكان العرب يرجون لأبنائهم جوا ًبدوياً ينشئون فيه " لكييبتعدوا عن أمراض الحواضر، و تقوى أجسامهم ، وتشتد أعصابهم، ويتقنون اللسان العربيفي مهدهم "
كما كانت الصحابيات-رضوان الله عليهن - يُغنِّين لأطفالهن منالذكور أثناء الرضاعة أغاني تُحفِّز على البطولة والرجولة ، لترسخ هذه المعاني فيأذهانهم منذ نعومةأظفارهم!!!
فما بالنا بالأم التي ترضع وليدها على نغماتالقرآن المرتل بصوتٍ ندي .... ألا يعينه ذلك على حب القرآن الكريم؟!!
وفيعصرنا الحالي ، نرى "علماء النفس -على اختلاف مشاربهم- يولون هذه المرحلة أهميةقصوى باعتبارها الهيكل الذي تُبنى الشخصية على أساسه. ، فنراهم يُجرون دراسات حولما يسمى بذكاء الرضيع ،ثم يقومون بمحاولات تربوييه لاستغلال هذه الفترة في تنشئةأطفال عباقرة "
ومن ثم ، فإن الأم التي تُرضع طفلها على صوت ندِيٍ يتلوالقرآن الكريم، فإن الراحة و السكينة والاطمئنان والحنان الذين يشعر بهم الطفل وهوبين أحضان أمه سيرتبطون في عقله اللاواعي بالقرآن الكريم... ومن ثَمَّ يصبح القرآنبالنسبة للطفل- فيما بعد- مصدرا ًللأمن والاطمئنان والسعادة ، ونوعاً آخر من الزادالذي يشبع قلبه وروحه ،كما كانت الرضاعة تشبع بطنه وتُسعد قلبه، فإذا كانت الأم هيالتي تتلوا القرآن مجوَّداً ، فإن ذلك يكون أقرب لوجدان الطفل وأشد تأثيراً فيه ،وأهنأ له ولأمه .
ولنا أن نتخيل هل سيظل طفل كهذا يصرخ طوال الليل أو يكوننومه مضطرباً وهو محفوف بالملائكة بسبب القرآن الكريم ؟!!!!
ولعل الفائدةستعم أيضاً على الأم، حيث يعينها الاستماع إلى القرآن على هدوء النفس وراحة الأعصابفي هذه الفترة، مما يجنِّبها ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة الذي تُصاب به معظمالوالدات
ثالثاً:في العام الثاني من حياةالطفل:
تلعب القدوة-في هذه المرحلة- دورا ًهاماًورئيساً في توجيه سلوك الطفل، لذا فإنه إذا شعر بحب والديه للقرآن من خلالتصرفاتهما فإن هذا الشعور سوف ينتقل إليه تلقائياً ، ودون جهد منهما ،
فإذاسمع أبيه يتلو القرآن وهو يصلي جماعة مع والدته ،
أو رأى والديه –أو مَنيقوم مقامهما في تربيته – يتلوان القرآن بعد الصلاة ، أو في أثناء انتظار الصلاة،
أو اعتاد أن يراهما يجتمعان لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة في جو عائليهادئ.... فإنه سيتولد لديه شعور بالارتياح نحو هذا القرآن .
وإذا لاحظ أنوالديه يفرحان بظهور شيخ يتلو القرآن وهما يقلِّبان القنوات والمحطات ، فيجلساللاستماع إليه باهتمام وإنصات ، فإنه سيتعلم الاهتمام به وعدم تفضيل أشياء أخرىعليه.
.وإذا رآهما يختاران أفضل الأماكن وأعلاها لوضع المصحف ، فلا يضعانفوقه شيء ، ولا يضعانه في مكان لا يليق به ، بل ويمسكانه باحترام وحُب ... فإن ذلكسيتسلل إلى عقله اللاواعي ...فيدرك مع مرور الزمن أن هذا المصحف شيءٌ عظيم ، جليل ،كريم ، يجب احترامه، وحُبه وتقديسه .
من ناحية أخرى ، إذا تضايق الطفل منانشغال والديه عنه بتلاوة القرآن و أقبل عليهما يقاطعهما ، فلم يزجرانه ، أوينهرانه، بل يأخذه أحدهما في حضنه ، ويطلب من الطفل أن يقبِّل المصحف قائلاً له : " هذا كتاب الله ، هل تقبِّله؟!!" فإن الطفل سيشعر بالوِد تجاه هذاالكتاب.
وإذا رأى الأم تستمتع بالإنصات لآيات القرآن الكريم وهي تطهو أوتنظف المنزل، ورأى نفس الشيء يحدث مع والده وهو يقوم بترتيب مكتبته مثلاً, أو رَيّالحديقة....فإن ذلك يجعله يفضِّل أن يستمع إليه هو الآخر حين يكبر وهو يؤدِّيأعمالاً روتينية مشابهة
رابعاً: منذ العامالثالث حتى نهايةالخامس:
يقول فضيلة الشيخ ،الدكتور "محمد راتب النابلسي":" من دراستي في التربية علمت أن أخطر سن في تلقي العاداتوالتقاليد و المبادئ والقيم ، هو سن الحضانة، ثم سن التعليم الابتدائي .
ويستطرد شيخنا قائلاً:" إن الطفل يستطيع أن يحفظ القرآن في سِنِي حياتهالأولى ، فإذا كبر فهم معانيه، ولكن بعد أن يصبح لسانه مستقيماً بالقرآن ، فيشب وقدتعلم الكثير من الآداب"
كما يؤكد الدكتور "يحي الغوثاني"- المتخصص فيالدراسات القرآنية - أن" الطفل إذا حفظ القرآن منذ صغره اختلط القرآن بلحمه ودمه "
لذا ففي هذه السن-غالباً - يمكننا أن نبدأ بأنفسنا تعليمه تلاوة القرآنتلاوة صحيحة، فإن لم يتيسر ذلك ، فلا بأس من اختيار معلمة أو معلم ، يكون طيبالمعشر ، لين لجانب،حازم في رفق ، ذو خُلُقٍ قويم ، واسع الأُفُق ، وأن يكونمُحِبَّاً لمهنته... كي ينتقل هذا الحب إلى تلاميذه ، مع ملاحظة أننا "لا ينبغيأبداً أن نُجبر الطفل على حفظ القرآن أو نضربه إذا لم يحفظ، بل يجب أن تكون جلسةالاستماع إلى القرآن أو حفظه من أجمل الجلسات وأحبها إلى قلبه ،وذلك من خلال تشجيعهبشتى الصور المحببة إلى قلبه، من مكافآت مادية ومعنوية ، وغير ذلك...فإذا كان مَنيحفِّظه يتَّبع أسلوباً عنيفاً أو غير محبَّب فلنستبدله على الفور إن نهيناه ولمينتهَِ" (15)
وهناك ملاحظة هامة ،وهي مراعاة الفروقالفردية بين الأطفال :
*فإن كان طفلك غير متقبل للحفظ في هذاالسن ، فعليك أن تُمهله حتى يصير مهيَّأً لذلك، مع الاستمرار في إسماعه القرآنمرتلا ً.
*أما إذا كان لدى طفلك القُدرة والاستعداد قبل هذا العمر ، فيجب أنتنتهز هذه الفرصة ، وتشكر الله على هذه النِّعمة ، فتشجعه وتعينه على حفظ القرآنالكريم، كما حدث مع "زهراء" الطفلة السعودية التي حفظت سوراً من القرآن الكريم معإتقان كامل لمخارج الحروف.. وهي تبلغ من العمر عاماً ونصف العام !!!!
وكذلك الطفل الإيراني "محمد حسين " الذي كانت والدته تصطحبهمعها في جلسات لحفظ القران الكريم ، وهو لم يتجاوز السنتين , وكانت وقتها تحفظالجزء الثلاثين من القران الكريم، فلما عادت في إحدى الأيام للبيت ، كان محمد يلعبويردد شيئا, أراد والده أن يسمع ما الذي يقوله بهذا الاهتمام ، فاستغرب كثيراًعندما علم أنه يردد الجزء الثلاثين من القرآن الكريم ، فذهب إلى زوجته متسائلاً منذمتى وأنتِ تحفِّظينه الجزء الثلاثين من القرآن الكريم ؟!!
فاستغربت الزوجةقائلة:أنا لم أفعل على الإطلاق، فذهب الوالد إليه مرة أخرى وحاول أن يمتحنهبالجزءالثلاثين فوجد أنه يحفظه بشكل جيد . حينها علم أن لولده ذو السنتين قابليهلحفظ القرآن , ففرح كثيراً وبدأ معه مشوار الحفظ ،فلما بلغ محمد سن الخامسة كان قدأكمل حفظ القرآن الكريم!!!
وبعد ذلك حاز محمد على شهادة دكتوراه في العلومالقرآنية من جامعة لندن وكذلك حاز على شهادة الدكتوراه الافتخارية في علوم القرآنمن جامعة الحجاز !!!!
و كم هي مفيدة ومؤثرة كلمات والده الذي قال :" إن محمدحسين ليس إلا طفل عادي قد يفوق أقرانه بالقليل من الفطنه، لكن هناك الكثير منالأطفال الأذكياء الذين لم يفكر أحد باستغلال ذكائهم ، فالذي ساعد ابني هو أنني فيالبيت مع زوجتي وأطفالي نردد القرآن في الصباح والمساء وإن سكتنا نَسمعه من المسجلأو التلفزيون فكيف لا يحفظ القرآن طفل مثل علم الهدى؟(هذا هو اللقب الذي يلقِّبه بهأبوه )
وينصح والده الآباء قائلاً:""لكي يكون لديك طفل مثله عليك أنت أن تغيرما في نفسك كي يسير طفلك في مَسارك"!!!
ويختم والده كلامه قائلاً:""فيالنهاية أود أن أقول أنه كلما ردَّدَ ابنك أغنية، فأعلم انه قادر على أن يحفظ ويرددالقرآن كما حفظ تلك الأغنية!!!
وفي هذه المرحلة(ما بينالعام الثالث والخامس )
ينبغي أن نعلِّم الطفل الأدب مع كتابالله ،" فلا يقطع أوراقه، ولا يضعه على الأرض، ولا يضع فوقه شيئاً ، ولا يدخل بهدورة المياه ، ولا يَخُط به بقلم "وأن يستمع إليه بانتباه وإنصات حينيُتلى.
ومن معالم هذه المرحلة الولع بالاستماع إلى القصص، لذا يمكننا أنننتقي للطفل من قصص القرآن ما يناسب فهمه وإدراكه ، مثل:قصة أصحاب الفيل، وقصةميلاد ونشأة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقصة موسى عليه السلام مع الخِضر،وقصته مع قارون ، وقصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد ،وقصة أصحاب الكهف ....بشرط أن نقول له قبل أن نبدأ: